الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مسرحية "تصحيح ألوان" للمخرج السوري سامر محمد إسماعيل: هل هو تصحيح ألوان أم تصحيح للتاريخ؟

نشر في  11 ديسمبر 2018  (09:43)

عُرضت مسرحية "تصحيح ألوان" من سوريا في اطار أيام قرطاج المسرحية ضمن المسابقة الرسمية في مسرح الريو بالعاصمة. مسرحية كتبها وأخرجها سامر محمد إسماعيل وتقمص أدوارها كل من يوسف المقبل وميريانا معلولي مع حضور خاص لأيمن زيدان.

يُفككك هذا العرض معطيات عشرين عاماً تستعيدها الصحافية رشا في حوارها مع الروائي جابر إبراهيم عن الجائزة التي نالها عن روايته «الخوف». لكن اللقاء الصحافي ليس جوهر المسرحية، فالحدث الأول بمثابة مصيدة تتداعى بعدها عدة أفخاخ للروائي الذي يكشف قصة مرعبة بينه وبين إسكندر ياسين والد الصحافية الشابة الذي قضى عشرين عاماً في المعتقل السياسي بعد وشاية من جابر، والذي سيسرق رواية الأب وينشرها باسمه بعيد موته.

الخوف لن يبقى فقط عنوان الرواية المسروقة من غريم الأب ومنافسه على حب الأم سليمى نجمة مسرح الثمانينات في سوريا، بل هو محور أساسي في نقاش يحتدم مع تفاقم الأحداث وإزاحة الستار عن كواليسها، والدفع نحو اعترافات باهظة من جابر سوف تسوقها الصحافية الشابة وابنة الكاتب المغدور، وصولاً إلى الاعتراف الأقسى على وقع الفتاة التي تعاني من مرض الصرعي الراهن.

يحضر الماضي  كجذر لراهن دموي، يخيم فيه شبح السجون والمعتقلات الرهيبة، مثلما تحضر جرائم الإرهاب والتكفير وقطع الرؤوس. يصبح القاتل نسخة من القتيل، والضحية طبق الأصل عن جلادها. لكن هذا لن يقود إلى التباس، لأن المجرم سيظهر بعد برهة، مُنفّذاً جريمته الأبشع بدفن الصحافية الشابة في حقيبة حمراء بعد إصابتها بنوبة صرع. إشارة استخدمها مخرج العرض ومؤلفه كاستعارة لجيل كامل تم وأده حياً في حقائب سفر مجهولة الوجهة والمصير.
 تركّز مسرحية «تصحيح ألوان» على مستويات عدة من اللعب عبر استعارة فنون الحوار الصحفي والسيناريو السينمائي والكتابة الروائية، وتوظيفها معاً  لتقديم حوار على الخشبة ساخن ومتوتر، وبإيقاع يتنامى مع كل لحظة من لحظات العرض، ليدخل الجمهو في حالة من الارتباك ولا يتوقع ما قد يحدث، لكن البنية السردية المتينة للنص تحافظ على تماسكه في وسط ذلك التشضي الذي يعد هنا معالجة درامية لواقع متشضي هو الآخر.

يسند هذه المعالجة الدرامية آداء تمثيلي محترف يقوم على حضور كبير للّياقة البدنية للمثلين التي تحاكي أفلام الحركة والعصابات. وهو ما يرسخ جو الحرب والرعب لدى المتلقين الذين يتنفسون رائحة الرسائل السياسية المضمنة في العرض.

زينب هدّاجي